المادة    
هناك مدخل لهذا الموضوع مهم جداً التنبيه عليه؛ وهو: أن العالم مهما ابتعد عن التدين فإن التدين يظل راسخاً في وجدان البشر, وفي مشاعرهم, وفي أحاسيسهم؛ بحيث إنه لا يمكن أن يغلب الاصطلاح على الدين، ومن هنا تمتزج الشعائر أو الطقوس الدينية بالأمور الاصطلاحية الوضعية في تشكيل هوية أو ثقافة أي أمة من الأمم.
في غير التقويم على سبيل المثال: شعائر النكاح أو ما يتعلق بالنكاح تبتعد فيه الأمم كثيراً عن التدين؛ لكن يظل أن شعائر النكاح ومراسيمه دينية، ومثل ذلك: شعائر الموت والجنائز، فكثير من الأمم ابتعدت عن التدين فيه؛ لكنها تظل محتفظة بهذه الشعائر.. وهكذا، حتى ما يتعلق بجانب التشاؤم؛ فكثير من دول الغرب التي لا تؤمن بـ النصرانية من قرون, ولا تتعبد بها رسمياً؛ ومع هذا لا يوجد في طائراتها ولا في فنادقها رقم ثلاثة عشر الذي هو عندهم رقم مشئوم.
وبالمناسبة هناك قصة واقعية؛ ولكنها طرفة من الطرائف التي وقعت في الغرب، والتي تؤكد رسوخ الوجدان الديني مهما كان، وهو أنه لما قامت الثورة الشيوعية في عام (1917م) في روسيا , وحكم لينين , وأقيمت احتفالات ضخمة هناك جاء أكبر شاعر من شعراء الروس أو من أكابرهم ليثني وليمدح قادة الثورة, وهم واقفون أمام الجماهير، فما وجد كلمة أو تعبيراً يمدحهم به أفضل من أن يقول عن لينين ويشير إليه: كأنك المسيح وحولك الحواريون! -وكان عدد أعضاء الثورة على عدد الحواريين فعلاً- فنكس لينين رأسه ومن حوله كذلك، وهزتهم هذه الكلمة الغريبة؛ لأن الدين -وهو المسيح- كان العدو الأول للثورة.
الشاهد: أن الوجدان الديني الإيماني يظل عند الشعوب مهما أرادت أن تنحرف، أو مهما حاولت الفطرة أن تنحرف، فمن هنا يجب أن يكون الدين كما شرع الله تبارك وتعالى في أي مرحلة من المراحل, وفي أي عصر من العصور، فالدين أو ما يحتاج فيه إلى الوحي المعصوم يجب أن يكون نقياً بعيداً عن البدع وعن الشوائب.